نشر في العدد الثالث عشر، كانون الثاني/يناير 2014، من مجلة المفكرة القانونية.
خطوات إلى الأمام..!
1- العلاج كبديل من الملاحقة في قضايا الإدمان
من أهم الأعمال القضائية الصادرة هذه السنة (في لبنان)، القرار الصادر عن محكمة التمييز في 3/10/2013 في قضية إدمان. وقد قضى القرار بوقف الملاحقة ضد شخص مدمن وإحالته الى لجنة مكافحة الإدمان، تبعاً لتعهده بالعلاج، سنداً للمادة 194 من قانون المخدرات التي كانت قد كرّست مبدأ العلاج كبديل من الملاحقة، ملزمةً القاضي بوقف الملاحقة فور تعهد الشخص المدمن بالعلاج. وكان المدّعى عليه في هذه القضية قد تقدم بدفع طالباً وقف الملاحقة ضده وإحالته الى لجنة مكافحة الإدمان، وقد تدخلت محكمة التمييز لنقض ما خلص اليه المرجعان الاستئنافي والابتدائي في رد هذا الدفع.
عند التدقيق في هذا القرار، يظهر جلياً أن الحل الذي توصلت اليه المحكمة لا يتأتى عن تعمق في الاجتهاد، بل هو تفسير للنص القانوني في معناه الأكثر بداهة. وهذا ما نقرأه جلياً من خلال تضمين الحكم عبارة فحواها "أن النص القانوني وُجد لإعماله وليس لإهماله". وإيراد هذه العبارة يعبر بالواقع عن اقتناع محكمة التمييز، ليس فقط بمحدودية اجتهادها في هذا المجال، بل أيضاً بوجود حاجة ماسة للتذكير بوجوب تطبيق القانون الذي انقضى ما يزيد عن 15 عاماً منذ إقراره. وإزاء ذلك، بإمكان القارئ أن يتساءل عن الأسباب التي تدفعنا الى اعتبار هذا القرار إنجازاً فيما هو مجرد تطبيق حرفي للقانون: ومرد ذلك هو أن هذا القرار جاء مناقضاً لشبه إجماع قضائي مزمن، أمعن في ظاهرة غريبة، في تغليب الآراء المسبقة إزاء الإدمان والمدمنين على النص القانوني ذاته. فبدا القرار وكأنه صدمة إيجابية تنبّه القضاة الى وجوب التحرر من الآراء المسبقة وتوقظهم من غفوتهم عن النص القانوني...
مساهمات علم النفس
يستند إلغاء التجريم إلى دراسات بيولوجية عصبية ونفسية واجتماعية تشير إلى أن الإدمان على المواد المخدّرة هو في الحقيقة اضطراب ذو أسس عصبية بيولوجية، تتعزز وتستمر من خلال آثار هذه المواد على الدماغ والعوامل النفسية والاجتماعية.
هنالك أيضاً علاجات تمّ التحقق من صحتها وفعاليتها، مثل العلاج النفسي السلوكي والمعرفي والعلاج البديل للمواد الأفيونية في حالة الإدمان على الهيروين. ويسمح هذا العلاج بإعادة دمج المدمنين بالكامل في المجتمع، فضلاً عن انخفاض معدلات الانتكاس..
من خلال إلغاء تجريم الإدمان على المخدرات ومنح متعاطي المخدرات أخيراً الحق في تلقي العلاج، يصبح القانون متسقاً مع البيانات العلمية، ويمنع الوصم الثقيل الذي قد ينجم عن دخول السجن.إنما يبقى على علم النفس أن يحدد هنا برامج وبروتوكولات العلاج المتاحة والممكنة، فضلاً عن تحديده معنى الشفاء من الارتهان من المادة المخدرة.
***
2- مكاسب المرأة في الدستور المصري 2014
منّة عمر
تم إقرار مسودة الدستور المصري الجديد بعد استفتاء يومي 14 و15/1/2014. ولعل المشهد الأبرز خلال طوابير الاستفتاء كان توافد النساء على اللجان الانتخابية بأعداد تفوق الرجال. وحلل البعض ذلك بإقرار الدستور حقوق المرأة كاملة، فهل كرّس فعلاً الدستور المصري حقوق النساء وفق ما تطمح اليه؟
خطوات إيجابية نحو إقرار المواطنة وحقوق المرأة
تضمّن دستور 2013 موادَّ تقرّ المواطنة والمساواة بين المواطنين المصريين وتجريم التمييز، وهو الأمر الذي تستفيد منه بطريقة مباشرة المرأة المصرية. فقد نصّت المادة الأولى من الدستور على أن نظام الدولة يقوم على "أساس المواطنة"، كما تلزم المادة التاسعة الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين دون أي تمييز. كما تم لأول مرة، اعتبار "إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز" من أهداف التعليم (المادة 18) وقد نتج منه النص على تدريس الجامعات لحقوق الإنسان (المادة 20)؛ وهو الأمر الذي يترتّب عليه إنشاء جيل يحترم حقوق المرأة ويقوم على المساواة والمواطنة الحقيقية.
وفي استجابة أخرى لمطالب المنظمات النسائية، تم النص في المادة 93 من الدستور على أن "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة"، وهو الأمر الذي يضمن التزام مصر باتفاقية "القضاء على كل أنواع التمييز ضد المرأة" (السيداو) وغيرها من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالمرأة التي صدقت عليها مصر دون المواد التي تحفظت عليها، كما تفتح الباب بنص دستوري بإثارة هذه المواد أمام المحاكم المصرية المختلفة من قضاء عدلي وقضاء إداري وقضاء دستوري. ولكن تقبل هذه المادة النقد في كونها وضعت المعاهدات والمواثيق الدولية في مكانة القوانين، وليس فوق القوانين؛ فالمتعارف عليه في معظم دول العالم أن المعاهدات والمواثيق الدولية يكون لها قوة الدستور أو تكون في مكانة "فوق قانونية"، وبعض الدول تكون لها مكانة "فوق دستورية". الأمر الخطير في وضعها في مكانة القانون أنها تخضع لقاعدة أن "التشريع اللاحق يعدل ما سبقه" أي أنه إذا صدر قانون يعدل في الحقوق والحريات الواردة في هذه الاتفاقيات أو المواثيق، يقوم القاضي بتطبيق القانون الجديد ويعتبر ان ما سبقه لم يعد ساري المفعول.
إعلان المساواة بين المرأة والرجل: هل تدخل المرأة الى القضاء؟
فيما لم ينص دستور 2012 السابق على المساواة بين المرأة والرجل، نص دستور 2013 على المساواة في نص صريح على "تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور. وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية، على النحو الذي يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياج
3- إقرار مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في الدستور التونسي الجديد
صوت المجلس الوطني التأسيسي في تونس مؤخراً على فصل في الدستور الجديد ينص على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل ويفرض المناصفة في عدد الرجال والنساء في المجالس المنتخبة.
وينص الفصل 45 من الدستور الذي صوت عليه 116 نائبا من أصل 188 في المجلس الذي تتمتع فيه حركة النهضة الحاكمة بأغلبية نسبية، على أن "الدولة تعمل على تحقيق التكافؤ بين الرجال والنساء في المجالس المنتخبة".
وكانت الدقائق التي سبقت التصويت على هذا الفصل بأغلبية ضيقة --اذ انه كان يتعين تصويت 109 نواب لإدراجه في الدستور-- صاخبة اذ ان العديد من النواب كانوا يطلبون الحق بالكلام.
وينص الفصل 45 على ما يلي:
"تلتزم الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها وتضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات في جميع المجالات وتحقيق التناصف بين الرجل والمرأة في المجالس المنتخبة وتتخذ الدولة تدابير للقضاء على العنف ضد المرأة".
وقد احتدم النقاش حول هذا الفصل خلال الأيام الاخيرة قبل ان يؤول الى تصويت. وقد أقر المجلس الوطني التأسيسي فصلا عاما يقر بان "لكل المواطنين والمواطنات نفس الحقوق والواجبات وانهم متساوون امام القانون بدون تمييز"، لكن قسما من المعارضة ومنظمات الدفاع عن حقوق الانسان اعتبر ذلك الفصل غير دقيق. وكانت تونس تعتبر البلد العربي الوحيد منذ 1956 الذي يمنح أفضل حقوق الى المرأة، لكن الرجل يظل يتمتع بامتيازات لا سيما في مجال الميراث.
خاتمة:
إن الحقوق التي أقرها الدستور المصري الجديد للمرأة غير مسبوقة في الدساتير المصرية السابقة، ولكنها لا تعد، حتى الآن، إلا حبراً على ورق، ننتظر تطبيقه من خلال تشريعات تصدر قريباً وتدابير من الدولة تكفل هذه الحقوق. ولعل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلتين أول اختبار لتطبيق هذه الحقوق، فلنراقب.
(المصدر: نشرة "المفكرة القانونية"، العدد 13/2014. جمعية المفكرة القانونية. www.legal-agenda.com
علِّق