يشكل الشباب جزءاً من العائلة والمجتمع والبيئة، والفئة الأكبر من السكان في البلدان العربية، لذا ينبغي، من أجل تعزيز صحتهم وعافيتهم، الاهتمام بالظروف المحيطة بهم والتي تؤثّر على حياتهم.
إن معظم المشاكل النفسية لدى الأطفال والمراهقين تأتي نتيجة لعوامل فردية وعائلية وبيئية وغيرها تظهر بشكل مشاكل عاطفية وسلوكية، وتظهر في أماكن متنوعة مثل المنزل والمدرسة والمجتمع. كما أنها قد تؤثّر سلبا على أداء الطفل والمراهق الاجتماعي والأكاديمي والعائلي في المجتمع بشكل كبير.
يحيا الأطفال والمراهقون بشكل أفضل في بيئة تشجّع التفاعل مع أقرانهم الذين يبدون سلوكاً وخيارات صحيحة.
تؤدي التنمية الشبابية الايجابية إلى صحة نفسية مجتمعية وفردية سليمة. فهي تركّز على تهيئة الشباب بشكل كامل لعيش حياة ناجحة وسعيدة وصحّية، كشباب وكراشدين، إضافة إلى التغلب على الظروف الصعبة؛ بدلا من التركيز فقط على التأكد من عدم تورطهم بسلوكيات محفوفة بالمخاطر. ومن هنا تؤدي استراتيجيات ونشاطات التنمية الشبابية الايجابية إلى صحة نفسية ايجابية وسليمة.
وينجح الأطفال والمراهقون الذين يتمتعون بصحة نفسية جيدة بخلق توازن بين عافيتهم الجسدية والنفسية والاجتماعية والحفاظ على هذا التوازن. كما يتمتعون بعلاقات سليمة مع عائلاتهم وأقرانهم، ويملكون القدرة على الإنتاجية والتعلّم، وعلى مواجهة تحديات النمو وتخطي الظروف الصعبة واستعمال الموارد الثقافية لبلوغ أقصى حد من النمو.
وبالتالي إن التنمية الشبابية الايجابية تساعدهم على أن يصبحوا مواطنين مستقلين وملتزمين.
"غير أن وقاية الشباب من السلوكيات المحفوفة بالمخاطر الكبيرة مختلفة تمامًا عن تحضيرهم للمستقبل. فالمراهق الذي يذهب إلى المدرسة ويخضع لقوانينها ويتجنب المخدرات ليس مؤهلاً بالضرورة لمواجهة متطلبات سن الرشد الصعبة. إن عدم وجود المشاكل لا يعني التهيؤ للمستقبل"
ويركِّز تعزيز الصحة النفسية على تحسين نوعية الحياة، وخلق نظم داعمة للمجتمع، ومحاربة التمييز والوصم، وتعزيز العوامل الحامية للصحة النفسية. ونظرًا لكون الموضوع مركبًا جدًا، يتطلب تعزيز الصحة النفسية طرق تفكير جديدة ومقاربات مبتكرة.
وتشدد مقاربة تنمية المجتمع للصحة النفسية على مشاركة المجتمع والاعتماد على النفس، باتخاذ الأفراد والعائلات والمجتمعات مسؤولية أكبر من أجل رعاية وتعزيز صحتهم النفسية. ما من شك أنه علينا تغيير نظرتنا إلى الصحة النفسية بشكل عام. إذ أن مسؤولية تعزيز الصحة النفسية الايجابية لا تنحصر في القطاع الصحي وحده، بل إنها مسؤولية ورسالة أوسع بكثير وتتضمن الأسرة والمدرسة ومكان العمل والمجتمع. وتحتاج استراتيجيات تعزيز فعال للصحة النفسية إلى المشاركة مع مجموعة واسعة من الخدمات ومبادرات تنمية المجتمع التي تجتاز التدخلات المبكرة والخدمات العلاجية لتصل إلى ما بعد العناية وإعادة التأهيل.
إنّ التّطور في تعريف الصحة النفسية، من التركيز على مشاكل وتحدّيات الصحة النفسية وبالتالي حصر الاهتمام بالفئات التي تعاني من المشاكل والاضطرابات إلى التركيز على الوقاية والحماية من أجل تعزيز الصحة النفسية لجميع أفراد المجتمع، زاد من أهمية تعزيز المهارات الحياتية التي تحمي الأطفال والشباب وتساعدهم على التكيّف ومواجهة التحديات. فالتزوّد بالمعرفة يساعد الأطفال والشباب على تصحيح المفاهيم الخاطئة واختيار السلوكيات الأنسب.