المقدمة
تساؤلات المراهقين:
في ظل التغيّرات والتحدّيات التي يواجهها المراهقون، تظهر تساؤلات عديدة عما يحدث لهم من تحوّلات جسدية، وأخرى في مشاعرهم، وغيرها في مواقفهم الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو الدينية، فيجد المراهق نفسه في حيرة من أمره:
-
كيف أتعامل مع نفسي ومع من حولي؟
-
هل ما أفعله صحيح أم خطأ؟ مقبول أم مرفوض؟
-
ماذا يخبّئ لي المستقبل؟ الخ.
ويرافق هذه التساؤلات شعور طبيعي بالقلق يختلف بأشكاله وحدّته بين مراهق ومراهق .
إن الحاجة إلى الأمان والاستقرار حاجة مهمة للإنسان عمومًا، و الشعور بال "أمن" النفسي في مرحلة المراهقة يبثّ الاستقرار والطمأنية ويسمح للمراهق أن يفهم نفسه ويتعامل معها بطريقة ايجابية، إضافة إلى التكيّف والتفاعل مع بيئته بشكل سليم، فالأمن النفسي، كما يقول د.عبد العزيز النغيمشي (1990)1، شأنه شأن الأمن الغذائي والاقتصادي والصحي والسياسي.
المخاوف الأساسية خلال المراهقة:
-
التخوف من التغيّرات الجسدية والفسيولوجية:
من الطبيعي جدا˝أن تتمحور معظم أفكار المراهق، بخاصة في المرحلة الأولى للمراهقة، على صورته الجسدية وكيفية التكيّف مع كل التغيّرات الجسدية التي يمر بها، وتتميّز هذه المرحلة بحدّة التقييم الذاتي، ما يثير أحاسيسه وتساؤلاته ومخاوفه .
أمّا أبرز المخاوف فهي:
-
أولا˝، الخوف من عدم تقبّل الآخرين لمظهره الخارجي وعدم الجاذبية، عند الفتيان كما عند الفتيات، حيث تكتسب المعايير الشكلية الظاهرة (مثل مشاكل البشرة الدهنية أو ظهور البثور والنمش أو تركيب جسور الأسنان المعدنية) أهمية كبرى في عملية التقييم الذاتي وتقييم الآخرين
-
ثانيا˝، الخوف من أنه "غير طبيعي" مقارنة˝ بالآخرين، أي الأتراب. إن هذه المقارنة تتمحور، في معظم الأحيان، على ظهور أو التأخّر في ظهور معالم البلوغ الجنسي عند الفرد.
تساهم الأسرة كثيرا في تخفيف وطأة هذه المخاوف على المراهق من خلال:
-
مراعاة مشاعر ابنهم/ابنتهم المرهفة
-
تجنب السخرية، والاستغراب
-
عدم استهجان حاله/ها، وما آلت إليه هيئته/ها، وحجمه/ها وشكله/ها
-
عدم وصفه/ها بالصغر والطفولة والقصور
-
من المهم أن يشعر المراهق أن ما يحدث له من تغير، إنما هو أمر عادي، متوقع ومقبول، وأن هذه التغيرات تحدث لكل الناس دون استثناء.
-
ثالثا، الخوف المرتبط بالوظائف الجنسية. في هذا الإطار، تلعب وسائل الإعلام وآلاف المواقع على شبكة الانترنت اليوم، دورا˝ كبيرا˝ في ترويج صورة عن الجنس تختلف عن الصورة التي عرفتها الأجيال السابقة، فها قد أصبح موضوع الجنس في متناول الجميع.إن هذه الصورة تتناقض مع النظرة التقليدية للجنس التي لا تزال تسود في مجتمعاتنا. إن تعرّض المراهقين لمفاهيم جنسية غريبة عن بيئتهم وعن القيم الأخلاقية التي نشؤوا عليها ليس هو بالضرورة مضر لصحّتهم العقلية ولتطور شخصيّتهم: إن الفضول الكبير لدى المراهقين في موضوع الجنس يساعدهم على بلورة هويّتهم الجنسية وفهم معنى العلاقات الجنسية في ظلّ الحدود الأخلاقية التي يرسمها مجتمعهم. إضافة الى ذلك، فان المعلومات التي يستقيها المراهقون عبر الانترنت حول المسائل الجنسية المتفرّعة (كموضوع التحرّش الجنسي أو التزويج المبكر أو الأمراض المنتقلة جنسيا) تزيد من وعيهم للممارسات غير السليمة أو المثيرة للجدل، وإذا استخدمت بالطريقة الصحيحة، فهي تساهم في حمايتهم .
-
التخوّف من تحمل المسؤولية، وعدم النجاح فيها:
خلال مرحلة المراهقة، يبدأ الاستعداد النفسي لتحمّل المسؤوليات بالظهور: فالمراهق يعي تماما˝ أنه في صدد مغادرة الطفولة والدخول الى عالم الشباب.. ومع أنه لا يزال قريبًا من والديه ويحظى بعنايتهما، لكنَّه في الوقت نفسه يشعر بأن الأمور باتت مختلفة الآن : فكما أن جسده وتفكيره ومشاعره في تطوّر مستمر، كذلك فان البيئة التي يعيش فيها أصبحت تفرض عليه متطلّبات جديدة تتناسب مع هذا التطوّر.
إن تحمّل المسؤوليات يحمل الكثير من الايجابيات للمراهق، فالمسؤولية معرفة، وإثراء لأبعاد الشخصية، وتجربة غنيّة يحتاج إليها كل مراهق في مشروعه الحياتي الشخصي لكي ينضج ويطوّر قدراته العقلية ويكتسب القدرة على التحمّل والتدرّج نحو التحقيق الذاتي.
-
دور الاسرة:
تلعب الأسرة دورا مهما في مساعدة المراهق على تحمّل المسؤوليات وذلك من خلال:
-
تأمين بيئة سليمة للنمو تحافظ وتحترم حقوقه الأساسية في العيش الآمن و اللائق (تعليم، طبابة، ترفيه)
-
توفير الظروف الملائمة للانجاز وتحقيق الذات
إن الأسرة التي تحيط الطفل الصغير بالحماية المفرطة تساهم في حرمانه من اكتساب الثقة بالنفس والاعتماد على الذات والاستقلالية الفكرية والعاطفية، ما يؤدّي في المراهقة، الى الخوف من تولّي زمام الأمور والتردّد وحتى الهروب أمام تحمّل المسؤوليات. لهؤلاء نقول أنهم لا يستطيعون الهروب إلى الأبد، وإن الفشل مرّة أو مرّتين أو ثلاثة أفضل من الهروب والخوف من التقدّم، خطوة خطوة، نحو تحمّل المسؤولية، فليس هناك نجاحا˝ من دون فشل. إن تخلّي المراهق عن مسؤولية قراراته وتصرّفاته للآخرين والاعتماد الدائم عليهم، سوف يفقده حريته الشخصية تمامًا.
من ناحية أخرى، مع تزايد نسبة الطلاق بين الأسر في كل أرجاء العالم، وتزايد نسبة انفصال الأب عن الأسرة بداعي السفر للعمل في الخارج، وقد أصبح هذا الوضع شائعا˝ في مجتمعات البلدان النامية، نلاحظ أن مثل هذه الأوضاع الأسرية الاستثنائية فرضت على بعض المراهقين مسؤوليات جديدة ومختلفة عن السابق، مسؤوليات تتطلّب تواجدا˝ أكثر داخل البيت ونضوجا˝ أكبر في العلاقة مع الوالدين ووقتا˝ أقلّ خارج البيت مع الأصدقاء.
أمّا بالنسبة لهؤلاء المراهقين الذين يعيشون في مناطق معرّضة للحروب والنزاعات المسلّحة أو للكوارث الطبيعية، تقع على عاتقهم مسؤوليات تفوق أحيانا مستوى نضوجهم الفكري والعاطفي والاجتماعي، ويفرض عليهم لعب أدوار لا تتلائم مع قدراتهم وطاقاتهم (رعاية وتربية الاخوة الصغار أو العمل المأجور).
هذا وإن التحوّلات والتقلّبات الاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم لها وقع كبير على نمط العيش العائلي الحديث عموما حيث أن معظم أمور الحياة اليومية أصبحت تتمحور على القضايا المالية وكيفية اقتناء المال، فنلاحظ أن عددا˝ كبيرا˝ من الأهل باتوا يشجّعون أولادهم على التوظّف أو اكتساب مهنة في أعمار مبكرة .
بالرغم من أن بعض الدراسات أشارت إلى التأثير السلبي لتحمّل المراهقين مسؤوليات تفوق مستوى نضجهم على نمو شخصيّتهم، إلاّ أن بعض الخبراء يرى في ذلك عامل إيجابي يحفّز نمو الاستقلالية العاطفية عند المراهق2.
-
دور المدرسة:
تفرض المدرسة على المراهق متطلّبات جديدة ومتزايدة لتحضيره للأدوار والمسؤوليات الراشدة التي تنتظره.
فالمناهج في المرحلة المتوسّطة والثانوية من التعليم تشمل مفاهيم مجرّدة ومواد أكاديمية معقّدة ومتطوّرة، وتعتمد في معظم الأحيان على طرق تعليم ضاغطة كالتلقين والحفظ والتعليم بلغة أجنبية بدون إتقانها...ما يفسّر النسب العالية في التسرب المدرسي في هذه المرحلة. نعم، إن المدرسة تطلب الكثير من مراهقينها، فلا عجب إذا خاف البعض وفضّل الهروب!
على المدرسة أن تلعب دور المساند للمراهقين ، لا أن تكون مصدر ضغط عليهم، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو التالي: هل المدرسة فقط موقع للتعلّم الأكاديمي، أم هي موقع للتعلّم كيف نتعلّم، و كيف نعمل، وكيف نعيش مع الآخر؟
فالمدرسة هي المكان الذي نأمل أن ينجز المراهق فيه المهام التالية:
-
تعلّم قيمة العمل مع الآخرين من أجل هدف مشترك
-
تعلّم القيادة دون الاستبداد
-
اكتساب الهوية الجنسية الاجتماعية الملائمة
-
استثمار جسده بطرق فعّالة لبناء علاقة سليمة ومرضية مع صورته الذاتية
-
الهتمام بحماية جسده وصحته وبتطوير قدراته الجسدية والاستمتاع بها
-
إنجاز الاستقلالية العاطفية اللازمة عن الراشدين
-
بناء الجهوزية للاكتفاء المادي الذاتي لكي يتمكّن من اقتناء مهنة لائقة في المستقبل تمكّنه من العيش الكريم دون الاستعانة بالآخرين
-
التفكير بمجال مهني للمستقبل لكي يكرّس قدراته وطاقته لاكتساب المهارات اللازمة المتلائمة مع مهنة من اختياره
-
تطوير القدرات الذهنية والمفاهيم الضرورية للمواطنية والمشاركة الفعالة في المجتمع،
-
تطوير سلوك اجتماعي ايجابي ومسؤول للتكيّف والتعامل مع تحدّيات ومتطلبات الحياة العصرية
-
بناء الصلابة الداخلية اللازمة للتكيّف مع الأوضاع الصعبة (بخاصة لهؤلاء المراهقين الذين يعيشون في ظروف الحرب والنزاعات أو الكوارث الطبيعية أو الفقر والحرمان الاجتماعي)
-
إكتساب المهارات الحياتية اللازمة من ثقافة عامة وتعاطف اجتماعي التي تساعده على تطوير علاقته مع نفسه ومع الآخرين.
-
التخوّف من عدم تقبّل الآخرين له:
إن قدرة المراهق على بناء الصداقات والانخراط في مجموعة من الأقران هي مؤشّر مهم لتكيّفه النفسي والاجتماعي. أمّا العزلة الاجتماعية وعدم القدرة على الاندماج والاختلاط بالآخرين قد تكون سببا˝ رئيسيا˝ للمشكلات والاضطرابات النفسية3.
أهمية الانخراط ضمن المجموعة:
-
إن مجموعة الرفاق هي وسيلة يحقّق المراهق من خلالها رغباته وحاجاته الذاتية والاجتماعية
-
يتخطّى المراهق من خلال انخراطه في المجموعة الكثير من المشاكل مثل الخجل والانطواء والشعور بالفراغ ويجد المراهق في المجموعة الحرية والاستقلال الفكري بعيدا˝ عن رقابة الأهل
-
يتعلّم الاعتماد على الذات بعيدا˝ عن حماية الأهل
-
يجد الفسحة للخبرة المشتركة والعمل الجماعي والفرصة للتعبير عن الذات
تسهل عملية الانخراط ضمن المجموعة على المراهقين الذين يتحلّون بالخصائص التالية:
-
روح مرحة تبعث الضحك والفرح في المجموعة
-
أفكار ناضجة ومبدعة
-
ميول تتّفق مع ميول الآخرين في المجموعة ( رياضة، موسيقى، ثقافة، سياسة...)
-
تقبل الأنواع المختلفة من الأدواد القيادية في المجموعة
-
إبداء الوفاء للمجموعة
رأى الأخصّائيون النفسيون أن هناك ثلاثة أنواع من المراهقين:
-
ذوي الشخصية المحبّبة
-
ذوي الشخصية المنبوذة
-
ذوي الشخصية المهملة
أمّا بالنسبة للمراهقين من الفئة الأولى، فهم يتمتّعون ب:
-
القدرة على الإصغاء للآخرين
-
شخصية مرحة وسعيدة
-
القدرة على ضبط الانفعالات السلبية (الغضب، الغيرة)
-
إبداء الحماس لما يطرح من مشاريع ضمن المجموعة
-
الاهتمام بمشاكل الآخرين والتعاطف معهم
-
ثقة بالنفس من دون تكبّر أو تعجرف
-
القدرة على حفظ الأسرار بين الأصدقاء واحترام خصوصيّتهم
-
القدرة على المحافظة على جودة وسلامة العلاقة مع الآخرين
بالمقابل، تتلخّص خصائص الشخصية المنبوذة4 كما يلي:
-
الانزواء وعدم المشاركة
-
العدوانية في التعاطي مع الآخرين (عدوانية كلامية أو جسدية)
-
ظهور الانفعالات السريعة وعدم القدرة على ضبطها
-
الميل إلى إزعاج الآخرين من خلال التدخّل العنيف في نشاط ما، أو تحدّيهم ومنافستهم بهدف تحقيرهم، أو باللجوء إلى التهديد بالأذى
-
عدم القدرة على المحافظة على جودة وسلامة العلاقة مع الآخرين
أمّا الشخصية المهملة، فهي التي:
-
لا تلفت إنتباه الآخرين ويتجاهلونها
-
لا تدعى للمشاركة في النشاطات أو للانضمام إلى مجموعة ما
-
تفتقر المهارات الاجتماعية اللازمة للقيام بالمبادرة تجاه الآخرين، ربّما من باب الخجل
-
لا تمتلك الجرأة الكافية لإبداء آرائها أو لفرض وجودها، فتبقى "في الظل"
(من المهم أن نذكر أن الانتماء إلى هذه الفئة ليس ثابتا˝ مع الزمن، أي أن المراهق "المهمل" قد ينتقل إلى إحدى الفئتين الآخرتين (المحبّبة أو المنبوذة) حسب الظروف التي يمرّ بها والفرص المتاحة له.5)
-
أن الانتماء إلى مجموعة من الرفاق، بالرغم من أنه يشكّل مصدر اعتزاز ويخفّف من خوف التهميش أو الوحدة، إلاّ أنه قد يحدّ من الآفاق الاجتماعية و من اختبار علاقات جديدة متنوّعة واستكشاف أنماط عيش مختلفة من شأنها إغناء الشخصيّة والتجارب في الحياة.
-
التخوّف في مواقف الحوار والمواقف الاجتماعية:
هناك الكثير من المواقف الاجتماعية في الحياة اليومية التي تثير مخاوف المراهقين، مثل تسميع الدرس في الصف أو عرض مشروع على بقيّة الطلاب ، أو الاجابة على أسئلة محرجة للأقارب في المناسبات العائلية الجامعة، أو مواجهة مدير المدرسة للدفاع عن رأي أو موقف ما...
إن هذا النوع من المخاوف طبيعي جدا خلال المراهقة وهو ناتج عن رهافة شعور المراهق، وقلة التجربة والخبرة، ولكن التعرّض لمثل هذه المواقف ضروري لتطوير المهارات الاجتماعية والثقة بالنفس.
إن المدارس التي تعتمد منهاجا تعليميا مرتكز الى التلميذ ، بدلا من المناهج التعليمية التقليدية التي ترتكز الى البرنامج التربوي، تساهم الى حد بعيد في بناء هذه المهارات الاجتماعية، بدفع التلميذ الى المشاركة في تحضير المواد التعليمية وافساح المجال أمامه لابداء الرأي والتعبير الحر.
كذلك فان الأسرة التي تعتمد نهجا تربويا مرتكزا الى الطفل بدل الأسلوب التربوي التقليدي الذي يعتمد على توجيه الارشادات وفرض سلطة الأهل وقمع الحوار والمشاركة، فانها تنمّي ثقة الطفل بنفسه ومهارات التواصل الاجتماعي عنده وتشجّعه على أخذ المبادرات والتعبير عن آراءه بمرونة وثقة.
لسوء الحظ، الكثير من المراهقين الذين يخشون المواقف الاجتماعية يصبحون عرضة˝ للتحرّش العنيف من قبل بعض الطلاب العدوانيين والمتسلّطين الذين يستمدّون المتعة من أذى الآخرين، بخاصة الأضعف منهم، ولا يشعرون بالشفقة تجاه ضحيّتهم أو الذنب حيال تصرّفهم العنيف. من الواضح أن هؤلاء الطلاّب يفتقرون للمهارات الاجتماعية السليمة وقد يكون عنفهم ناتج عن ظروف تربوية خاطئة ضمن أسرتهم (تعنيف شديد من قبل الوالدين، أو نقص كبير في حنانهما أو تفهّمهما، أو مشاكل عائلية أخرى تحرمهم من الاهتمام والرعاية والارشاد). أمّا المراهق "الضحية" لهذه الممارسات، ، فهو إنسان قلق، غير آمن، لا يثق بنفسه، لا يدافع عن نفسه أو مواقفه، وليس لديه أصدقاء ممكن أن يستعين بهم أو يلجأ إليهم عند الحاجة. في الكثير من الأحيان، يفضّل البقاء في المنزل على الذهاب إلى المدرسة لتجنّب أيّة مواجهة مع الجهة المعتدية، معتبرا˝ المدرسة مكانا˝ غير آمنا˝ .
من المهم أن يتنبّه الأهل كما المدرّسون إلى هذه المشكلة قبل فوات الأوان، فهناك دراسات تشير أن استفحال ظاهرة العنف المدرسي قد يؤدّي إلى أشكال خطيرة من العدوانية، مثل الإجرام أو الانتحار6.
-
التخوّف من المستقبل ومن المجهول:
تتميّز حياة المراهق بمجموعة من الأسئلة في صيغة المجهول: من أنا؟ هل أنا طبيعي؟ هل يتقبّلني الآخرون ؟ هل سأنجح في دراستي؟ لماذا لا يتفهّمني أهلي؟ ماذا يفكّر بي أصدقائي؟ ما هو الاختصاص الذي سوف أختاره؟ ماذا أشتغل؟ هل سأتزوّج؟ ما هي مهنتي في المستقبل؟ ما هو هدفي في الحياة؟ ماذا يعد لي الغد ؟ الخ...
إنها جزء صغير من الكم الهائل من الأسئلة الوجودية التي يطرحها المراهق على نفسه.
إن توافر مرجع مساند في حياة المراهق لطرح هذه الأسئلة ومناقشتها وتحليلها يخفّف من قلقه تجاه المجهول. قد يكون هذا المرجع أحد الوالدين، أو كلاهما، أو أحد الأخوة الأكبر سنّا˝، أو أحد الأقارب، أو صديق وفيّ، أو مجموعة من الأصدقاء، أو أستاذ في المدرسة، أو مرجع ديني، أو تجارب اجتماعية هادفة (كالمجموعات الكشفية أو العمل التطوّعي ضمن المؤسسات الخيرية) أو حتى كتاب ملهم ومؤثّر يقدّم له الأجوبة المطلوبة على تساؤلاته.
إن الخوف من المجهول لدى المراهقين أمر عادي وهو شعور مشترك بين الجميع دون استثناء، وهو لا يعني استسلام سلبي للحياة، بل هو دافع لاستثمار الاستعدادات النفسية والعقلية والمهارات الاجتماعية والظروف البيئية المتاحة الممكن استثمارها اليوم لضمانة أفضل مستقبل ممكن. |
-
المخاوف المعاصرة للمراهقين:
في عالمنا العصري، وفي ظلّ الحروب الدامية والمستمرّة والنزاعات المسلّحة والهجمات الإرهابية التي تشهدها بلدان كثيرة، وازدياد الكوارث الطبيعية المدمّرة ومشاكل التلوّث البيئي التي تجتاح كل أرجاء الأرض، يحذّر الأخصّائيون النفسيون من نشأة مخاوف جديدة عند المراهقين حول العالم.
فالمخاوف عند الإنسان تتغيّر وتتبدّل بالتفاعل مع أحداث وقضايا واهتمامات الزمن الذي يعيش فيه (الحروب، التسلّح النووي، الفيضانات، الهجمات الإرهابية، الخطف، التعذيب، العنف والإجرام المدرسي، التقنيص العشوائي، الحرائق الطبيعية أو المفتعلة، التلوّث الإشعاعي...)، ومن الطبيعي أن يتأثّر المراهق بكل هذه الأمور.
تقع هذه المخاوف ضمن ثلاثة معايير:
-
معيار شمولية الحدث ( مثلا˝: أزمات اقتصادية خطيرة، انتشار الأوبئة كانفلونزا الطيور أو الخنازير، تهديد بالتلوّث النووي، كوارث الملاحة الجوية المتكاثرة و الكوارث الطبيعية مثل الأعاصير وموجات الحرائق، الحروب والنزاعات المسلّحة بين البلاد أو ضمن البلد الواحد).
-
المعيار الإعلامي: (مثلا˝: طريقة تعاطي الإعلام، بالأخص الإعلام المرئي، بالأحداث والكوارث والأزمات والقضايا الإنسانية، إضافة إلى برامج الإعلام الترفيهي من أفلام رعب وإثارة، أو برامج وثائقية تثقيفية حول مواضيع حسّاسة وجريئة).
-
المعيار الاجتماعي: (مثلا˝: تأثير التحوّلات والضغوطات الاجتماعية على الحياة الأسرية من ازدياد في نسبة الطلاق، واضطرار الوالدين إلى العمل خلال ساعات طويلة وغيابهما عن البيت ، إضافة إلى انتشار الآفات الاجتماعية مثل تعاطي المخدّرات والكحول، والانحراف لدى بعض المراهقين، وتكاثر الهواجس من موضوع الوزن الزائد، واستفحال مشكلة العنف والإجرام في المدارس والجامعات).
إن وقع هذه المخاوف على توازن المراهق العاطفي يختلف من مراهق إلى مراهق ومن ثقافة إلى ثقافة:
فالثقافة التي ينتمي إليها المراهق لها دور أساسي في إدارة المخاوف التي تواجهه7:
في المجتمعات الغربية حيث التركيز على الفرد، يجد المراهق نفسه وحيدا˝ في وجه المحن والصعوبات ، لكنه يستطيع اللجوء الى شبكة الدعم والعلاج، ومعظمها خدمات مجّانية، التي تتوافر بكثرة في هذه المجتمعات (العيادات المتخصّصة، الخدمة الطبية، مؤسسات الدعم النفسي الاجتماعي).
أمّا المجتمعات الشرقية، فهي تركّز على الجماعة (الأسرة، القبيلة، المجتمع) بدلا˝ من الفرد، ويجد المراهق فيها مراجع كثيرة للّجوء إليها في أوقات الضيق والتأزّم (العائلة المباشرة، الأقارب، الأصدقاء، المراجع الدينية أو مؤسسات الدعم الخيرية). إن هذه المراجع تعوّض بعض الشيء عن النقص الكبير في عدد وجودة الخدمات المجانية في مجالات الرعاية الصحية والصحة النفسية والتعليم والسكن، الخ. لكن هذا الوضع بحد ذاته يزيد من قلق الشباب حيال مستقبلهم، بخاصة في البلدان الفقيرة حيث الفرص القليلة جدا للتعليم الجيد والعمل وتأمين المستقبل.
الى جانب الفقر والحرمان الاقتصادي-الاجتماعي، هناك المجتمعات الممزّقة بالحروب والنزاعات حيث يعيش المراهقون أوضاعا استثنائية تتطلّب الكثير من الدعم والمساندة على جميع الأصعدة لمساعدتهم على تخطّي المآسي والتكيّف مع هذه الأوضاع وبناء الصلابة اللازمة للتطوّر الايجابي قدر الامكان.
الخاتمة:
إن خوض هذه الرحلة الممتعة الى داخل الذات وتكوين الهوية وتطوير الشخصية، يفرض على المراهقين أن يعوا حقوقهم الانسانية وواجباتهم تجاه أنفسهم وتجاه مجتمعهم .فمن خلال المراهقة، يتحضّر الشاب لسنوات الرشد والرشد يعني تحمّل المسؤوليات ورسم الأهداف الواضحة في الحياة والعمل الدؤوب على تنفيذها. والرشد يعني أيضا˝ العلاقات الشخصية والاجتماعية الناضجة واختيار المهنة الملائمة أو مجال التخصّص الذي يتجانس مع مواهب الفرد وقدراته وتطلّعاته...
نعم، إن الطريق وعرة أحيانا، والفشل وارد، والأخطاء كثيرة، لكن مزايا المراهقة أكثر بكثير!
إذا عرف المراهق كيف يستثمر قدراته وطاقاته لمصلحته وكيف يتكيّف مع مجتمعه ، دون التخلّي عن تميّزه وفرديّته، وإذا نجح في المحافظة على نظرة تفاؤلية للمستقبل رغم الصعوبات التي تواجهه، فان كل الآفاق مفتوحة أمامه لتحقيق ذاته وخدمة مجتمعه على أفضل وجه...
1 النغيمشي، عبد العزيز (1990)، المراهقون، دراسة نفسية اسلامية، دار طيبة، الرياض، 1411 ه.
2Taylor, S. et al (1997) Adolescents' perceptions of family responsibility-taking. Adolescence.
3 سليم، مريم (2002) علم نفس النمو، دار النهضة العربية، بيروت.
4 Rejected
5 Rubin, K.H., Bukowski, W.M., and Parker, J.G. (2006). Peer interactions, relationships, and groups. In N. Eisenberg, W. Damon and R.M. Lerner (Eds.), Handbook of child psychology, Vol. 3. New York: Wiley.
6 Banks, Ron (1997), Bullying in Schools, ERIC/EECC Publications-Digests, USA
7 Yang, J.J. (1993) Communication Patterns of Individualistic and Collective Cultures: A Value Based Comparison. Paper presented at the Annual Meeting of the Speech Communication Association, Miami, Florida, November 18-21.
علِّق