يبتعد آلاف الأشخاص عن بيوتهم هرباً من الحرب أو الاضطهاد أو المجاعة. هؤلاء نسمّيهم اللاجئين أو النازحين أو المهجّرين، أي الأشخاص الذين أجبِروا على ترك منازلهم في محاولة لإنقاذ حياته. فالحرب والإرهاب والشغب والاضطراب الأهلي، كلها حالات مفجعة واقعية في عدة مناطق في العالم.
ومع تطوّر التكنولوجيا، تطوّرت آلات القتل بدورها، وأصبحت تجارة الأسلحة أشدّ فتكاً وأكثر وحشيّة. أما الإصابات الأسوأ فمن الشائع أن يتحمّلها المدنيون، لا سيما النساء والأطفال.
ومع ذلك فإنّ اللاجئين هم الأوفر حظّاً، أمّا الذين يبقون في منازلهم فهم معرّضون للرعب الناتج من الحرب وللمعاملة اللا-إنسانية التي ينالونها من المعتدين. فتُغتصَب النساء، ويُقتل الرجال، وتُدمَّر القرى والمجتمعات بكاملها. وتأتي آثار الحرب على الصحة النفسية من هذا الغياب التام للإنسانية والفقدان الكامل للإيمان والرعب الذي ينتج من رؤية الناس يتعرّضون للأذى.
-
تعرّف الأمم المتحدة اللاجئ بأنه: "الفرد الموجود خارج وطنه لخوفه المشروع من أن يكون مضطهدا بسبب عرقه، أو دينه، أو جنسه، أو انتمائه إلى مجموعة اجتماعية خاصة، أو رأيه السياسي الخاص، والذي بفعل مثل هذا الخوف، لا يريد أو لا يستطيع الاستفادة من الحماية المتوافرة في وطنه، أو انه الفرد الذي لا جنسية له ويقيم خارج بلد إقامته السابقة المعتادة بسبب مثل هذه العوامل وهذا الخوف، ولا يريد أو لا يستطيع العودة إليه". (المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.)
-
والتهجير هو انتقال قسري بسبب صراعات داخلية تدفع الأسر والأفراد إلى مغادرة أماكن إقامتهم الأصلية والتوجه إلى أماكن توفر لهم قدرا أكبر من الأمن وشروط الاستقرار.
-
أبرز النتائج النفسية الاجتماعية للنزوح:
-
"العزلة الاجتماعية" التي قد تصل إلى الشعور بالغربة.
-
الإقامة ضمن شروط معيشية غير ملائمة.
-
فقدان موارد الرزق والمداخيل.
-
البطالة.
-
تدهور الخدمات المتعلقة بالتعليم والصحة
-
تلبية الحاجات الأساسية أوّلا ً
إنّ تأمين السلامة والحاجات الأساسية مثل الماء والطعام هو التدخّل الأهمّ لدعم الصحة النفسية عند اللاجئين وعند الأشخاص الذين يعيشون في المناطق التي تتعرّض للحرب. مع مرور الزمن، يصبح من المهم أن يعيش الناس حياة طبيعية قدر الإمكان. فإذا أخذ الأفراد اللاجئون على عاتقهم مسؤوليات وأدوارًا محدَّدة، فسوف يديرون بأنفسهم عملية الإغاثة، الأمر الذي سيخفف الشعور بالاتكالية والعجز.
-
الصحة النفسية عند اللاجئين
قد يعاني اللاجئون مشاكل صحية نفسية لعدة أسباب:
-
الحزن والحداد: إنّ خسارة كلّ الممتلكات الخاصة، بما فيها المنزل العائلي والدخل، هي مفاجأة رهيبة للأشخاص، لا سيما الأشخاص الفقراء أصلا ً. وما يزيد حدّة الحزن هو أنّ الحدث بحدّ ذاته لا يحمل أيّ معنى.
-
التعرّض للعنف المرعب: لا شكّ في أنّ عددًا كبيرًا من اللاجئين قد شهد أو عانى حوادث مريعة.
-
الإصابات أو الأمراض البدنية: هذه أيضًا قد يكون لها أثر على الصحة النفسية.
-
العيش في بيئة خالية من الشبكات الاجتماعية: غالبًا ما تكون مخيّمات اللاجئين أمكنة حزينة، والمنشآت الصحية فيها مكتظة وفقيرة. وقد يتواجد في المسكن نفسه أشخاص من مجتمعات مختلفة.
سوف يتعلّم معظم اللاجئين أن يتكيّفوا مع الضغط. سوف يجدون طريقة لطلب الدعم من الآخرين ولشغل أنفسهم بنشاطات معيّنة. ولكن، ينبغي أن تتوقّع ظهور بعض دلائل الاضطراب النفسي عند بعض الأشخاص. أما الأمراض النفسية الأكثر شيوعًا فهي الإحباط واضطراب الضغط الناتج من صدمة (راجع القسم 7-1). وقد يشكو الشخص نموذجيًّا من صعوبة النوم، ورؤية الكوابيس، والشعور بالخوف، والتعب، وفقدان الاهتمام بالنشاطات اليومية، والشعور بالرغبة في الانتحار. ومن الأعراض الواردة والأقل شيوعًا أن يصبح بعض الأشخاص كثير الاضطراب، يتكلّم من دون منطق، ويتصرّف بطريقة غريبة. فينبغي أن تتم رعاية هؤلاء الأشخاص في منشآت طبية.
-
الأطفال المتورّطون في الحرب
إنّ الضغط الناتج من النزاعات قد يسبّب الكثير من الضغط للأطفال. وغالبًا ما يكون الأطفال أسوأ ضحايا الحرب، ليس لأنهم قد يفقدون أهلهم وعائلاتهم فحسب، بل لأنهم قد يُستعملون ليقوموا بدور العملاء في الحرب. والجنود الأطفال قد يواجهون الإصابات البدنية الحادة والموت، وليس هذا فحسب، بل إنهم قد يمارسون العنف بدورهم على الآخرين. وهذه التجارب قد تجعل منهم أشخاصًا عنيفين عندما يكبرون. بعض الأطفال، عندما يتعرّض للعنف، يصبح منقطعًا، ويشكو من الكوابيس، وأوجاع الرأس، والآلام في أجزاء أخرى من جسده، ويتصرّف كما لو كان أصغر سنًّا بكثير.
-
يذكر هنا أن يشير مصطلح "معاهدة الأمم المتحدة" إلى البروتوكول » بشأن الأطفال الجنود الاختياري الملحق باتفاقية حقوق الطفل والخاص بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة، والذي يحظر إشراك الأطفال دون سن الثامنة عشرة في العمليات الحرية وجميع أشكال التجنيد الإجباري للأطفال، كما يدعو حكومات العالم إلى رفع الحد الأدنى لسن التجنيد الاختياري. وبحلول أكتوبر/تشرين الأول2004 ، بلغ عدد الدول التي صدقت عليه 85 دولة، بينما وقّعت عليه 116 دولة.
-
تعزيز الصحة النفسية في مخيّم للاجئين
يمكن أن يؤدّي العامل الصحي دورًا كبيرًا في تعزيز الصحة النفسية في مخيّم للاجئين:
-
تسليم المسؤوليات. الشعور بالعجز هو من أسوأ التجارب التي يمكن أن يختبرها اللاجئون. فيجد اللاجئون أنفسهم معتمدين كليًّا على عاملي الإغاثة بالنسبة إلى تحمّل المسؤوليات والقدرة على اتخاذ القرارات لتلبية حاجاتهم، كما أنهم يشعرون بأن ظروفهم ليست تحت سيطرتهم. فتسليم المسؤوليات يعني أن تفوّض الأفراد للقيام بمهمات معيّنة. حدّد نقاط القوة عند كلّ فرد، ومن ثمّ سلـّم المسؤوليات.
-
تنظيم النشاطات الجماعية. يمكن أن يعمل اللاجئون في عدد من النشاطات الجماعية، مثل المساعدة في تحضير الطعام، ورعاية المرضى. كذلك، فإنّ مجموعات الدعم قد تساعد في تحديد المشاكل المشتركة وإيجاد حلول لها (راجع القسم 10-1). وينبغي أن يُعطى الأطفال فرصة ليعيشوا حياة شبه طبيعية وذلك بحضور الصفوف واللعب الجماعي.
-
إرشاد الفرد. قد يحتاج بعض اللاجئين إلى مساعدة معيّنة، مثل المرأة التي فقدت كلّ أولادها أو التي تعرّضت للاغتصاب العنيف. والإرشاد يعني الإصغاء إلى تجارب الأشخاص، والاجتماع بهم دوريًّا، وإعطاءهم المساعدة والنصائح البسيطة والعملية، وحل مشاكلهم.
-
تأمين الأدوية. قد تقع أحيانًا على شخص محبطٍ جدًّا، والأدوية المضادة للإحباط قد تكون مفيدة جدًّا في هذه الحالات. وأحيانًا أخرى قد يصدر عن أحد الأشخاص سلوك مضطرب، والاستعمال المناسب للأدوية المنوّمة أو المهدئات لفترات قصيرة قد يساعد في تهدئة هذا الشخص (راجع الفصل 11).
المصدر: بتصرف عن الفصل : 9-4 "اللاجئون" من "كتاب الصحة النفسية للجميع - حيث لا يوجد طبيب نفسي". فيكرام باتل. الطبعة العربية المعدلة. ورشة الموارد العربية. .2008. الكتاب يحتوي الكثير من الأقسام الأخرى الداعمة لأعمال تلإغاثة النفسية في حالات الطوارئ والنزاعات والهجرة القسرية.
علِّق